
تحت عنوان" قيم المواطنة وأهميتها في مكافحة الفساد"، عقد مركز دراسة الإسلام والديمقراطية، يومي السبت والأحد 30 و31 جانفي 2021، "حلقتي نقاش متتاليتين موجهتين للشباب والفاعلين الدينيين.
وعقدت الحلقتين "عن بعد" عبر تطبيقة "زووم"، حيث دامت كل واحدة منهما ساعتين، خصصت الأولى للمشاركين عن ولاية صفاقس في حين استفاد بالحلقة الثانية مشاركين عن ولاية تونس.
ولأن أكد المتدخلون على أهمية قيم المواطنة ودور الدولة وأفراد المجتمع في محاربة هذه الظاهرة فإنهم شددوا على أن مسؤولية الفاعل الديني مضاعفة نظرا لعلاقته المباشرة مع الناس عبر الوعظ والإرشاد والخطب (الإمام)، وإبرازه في ذلك القيم الإسلامية السمحة.
"الفساد أكبر معضلة في تونس"

لدى افتتاحه النقاش، أكد رئيس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية رضوان المصمودي أن الفساد أكبر معضلة في تونس، ومازال ينخر الدولة وأغلب المؤسسات وعطل مصالح البلاد في الداخل والخارج وكبّل تطورها الاقتصادي والاجتماعي.
واعتبر أن مكافحة هذه الظاهرة ليست من مسؤولية الدولة فقط وإنما يتوجّب على المواطنين وخاصة الفاعلين الدينيين الانخراط في المجهود الوطني وتحمل مسؤوليتهم في ذلك مشيرا إلى أن شعورهم بهذه المسؤولية يحفزهم على القيام بدورهم وممارسة حقهم الرقابي، ويكون في ذلك ترجمة للمواطنة.
وأضاف:" نعرف جيدا أن الانتقال الديمقراطي عمليّة صعبة، وترسيخ ثقافة المواطنة والديمقراطية وإعادة البناء بعد سنوات من الاستبداد ليس بالأمر السهل".
و" يكون المواطن فاعلا من خلال فهم حقوقه وواجباته، وتحمل مسؤوليته وشعوره بأن هذه بلاده وملكه وعليه حمايتها مثلما يحمي منزله وأبناءه"، وفق تعبيره.
وأشار إلى التأثيرات الكبيرة للفساد على النمو الاقتصادي التونسي، داعيا إلى نشر ثقافة محاربة الفساد والتأكيد على أهمية القيم الأخلاقية في ذلك خاصة في صفوف الشباب باعتباره أكبر طاقة في المجتمع وموضوع على عاتقه مستقبل البلاد.
"المواطنة الفعّالة منطلق محاربة الفساد"

من جانبه، قال مدير مركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والأديان الدكتور محمد الشتيوي إن الفساد عدو التنمية والاستقرار السياسي والاجتماعي بل هو عدو الإنسان في حد ذاته، كما أنه اغتصاب لحقوقه واعتداء على ممتلكاته وتضييع لمصالحه المشروعة.
وأشار إلى أن الفساد استشرى في مفاصل الدولة وأغلب المؤسسات، بل استشرى أيضا في السلوك الاجتماعي للأفراد حتى تحول إلى نوع من الثقافة العدوانية السائدة ذات المبررات الواهية وتكونت له شبكات مختصة تمارسه وتتحايل على القانون وتعمل على الإفلات من العقاب.
ومن هذا المنطلق، أكد الشتيوي أن مكافحة الفساد أصبحت مسألة ضرورية ذات أولوية قصوى، وهو ما يتطلب معاضدة جهود الدولة عن طريق العمل الجماعي للمواطنين.
وعرّف الشتيوي الوطنية بالحالة النفسية والشعور بحب الوطن والاعتزاز بالانتماء إليه والاستعداد للدفاع عن مصالحه في مواجهة كل الأخطاء والعمل على تطويره وتحقيق عزته وكرامته، في حين فسّر المواطنة بالمشاركة في الانتماء للوطن الواحد، ومرتكز أساسي من مرتكزات الدولة المدنية والنظام الديمقراطي، ولا يفرق بمقتضاها بين المواطنين على أساس العرق أو اللون أو الدين وغيره بل على أساس الفاعلية في المجتمع.
وبين الشتيوي أن للمواطنة ثلاثة أبعاد، البعد المدني أي الحرية الفردية، البعد السياسي أي الحق الكامل في المشاركة السياسية عن طريق الانتخابات والترشح، والبعد الاجتماعي أي حق المواطن في توفير حاجياته الأساسية وأن يتمتع بالرفاهية والكرامة دون إقصاء، وتشمل أساسا حق المواطن في التعليم والصحة والضمان الاجتماعي وغيره.
وهذه الأبعاد الثلاثة، أكد الشتيوي أنها لا تعطي الفاعلية المطلوبة إلا بالحرص على أداء الواجبات قبل المطالبة بالحقوق، وتصبح حينها مواطنة فعالة التي بمقتضاها يستشعر المواطن الخطر ويشارك في محاربته للخروج من دائرة السلبية إلى تحمل المسؤولية.
"ممارسة الحق الرقابي على الدولة"
من جهة أخرى، بين الدكتور الشتيوي أن القانون التونسي والمنظمات التونسية يعرّفان الفساد على أنه عبارة عن استغلال السلطة والنفوذ لتحقيق مآرب شخصية أو عائلية أو حزبية أو غيرها، مشيرا إلى ظهور عقلية ما يعرف "بالفساد الكبير" الذي يمارسه كبار المسؤولين في الدولة والإدارات العامة والنظام السياسي عموما مما ينجر عنه مفاسد كبيرة تضر بالتنمية ومصالح الدولة، والفساد الصغير الذي يرتكبه الموظفين العاديين والمسؤولين الصغار في حدود شخصية ضعيفة، مشيرا إلى أن الفاسدين يعملون على الإفلات من العقاب لأنهم يعرفون أنهم مخالفين للقانون.
وأضاف أن دور المواطن يصبح فعالا عندما يعي معنى المواطنة الفعالة، فيتكوّن لديه شعور قوي بالمخاطر تجاه مجتمعه ووطنه، فيبادر ليكون سندا للدولة في التصدي له.
وعندما يشعر المواطن أن الدولة ليست جادة في مكافحة هذه الظاهرة وأن الإرادة السياسية الحقيقية غير متوفرة، أو يشعر أنها هي نفسها تمارس الفساد وتحمي الفاسدين، أكد على ضرورة أن يشكل هذا المواطن قوة ضغط على هذه الدولة حتى تتراجع عن خياراتها وتطبق القانون.
وفي سياق آخر، شدّد على أن مقاومة الفساد واجب ديني ووطني، وهو من المواضيع المركزية التي يلتقي فيها الدين بالدولة، مشيرا إلى أهمية انخراط المواطن في التصدي للفساد وهو مدرك تمام الإدراك أن "عدم مقاومة الفساد هي فساد في حد ذاتها "، وأن مقاومة الفساد لا تكون بارتكاب مزيد من الفساد، وذلك انطلاقا من قاعدة عقلية وشرعية تتمثل في أن "الضرر لا يزال بالضرر".
" المواطنة واجب ديني "

من جانبه، أفاد الباحث بمركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية بتونس الأستاذ سامي براهم أن إقامة منظومة المواطنة واجب ديني، وفيه صلاح الدنيا والآخرة، وأن مفهوم المواطنة متجذر في المدونة الإسلامية ويحتاج إلى إيمان ديني قوي، مشيرا إلى أن هناك أكثر من 50 آية في القرآن الكريم تتحدث عن الفساد وكل مستوياته.
وقال إن الذي لا يسهم في بناء منظومة المواطنة ومحاربة منظومة الفساد، يعتبر إيمانه مختل ومقصر في إقامة ركن من أركان الدين، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" من رأى منكم منكرا فلغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".
وأضاف أنه يتوجب على المواطن أن يكون جزء من منظومة المواطنة وأداة لمكافحة الفساد باعتبارها وسيلة لإدارة الشأن العام انطلاقا من علاقة الإنسان بنفسه وأسرته وبالمؤسسات التي يتواجد فيها، وهي قائمة على المساواة في الحقوق والواجبات دون تمييز.
وفي المقابل، بيّن أن منظومة الفساد تقوم على عكس ما تقوم عليه منظومة المواطنة، أي على الرشوة، والمحسوبية، والمحاباة، وإهدار المال العام، وغيره، وهي لا تتمثل فقط في انتهاكات وخروقات القانون بل منظومة كاملة تبني لنفسها مجدا ويمكن أن يكون لها حضور في الساحة السياسية.
وأضاف أن الفساد الذي لا يجد دولة مواطنية تضرب على يده، يستغل هشاشتها ومؤسساتها والفراغات القانونية ليصبح فاعلا سياسيا، ذلك أن الفساد يمكن أن يمول الحملات الانتخابية من خلال الترشح للمناصب القيادية أو دعم واجهة يختارها، وبالتالي يصبح الفساد كتلة برلمانية تدافع على مصالحه، فيصبح جزء من الحكم، من ذلك المافيا في إيطاليا.
وأكد على ضرورة أن تنخرط الدولة وقطاعاتها، وكل المنظمات والجمعيات في منظومة المواطنة لأن فرص الأجيال القادمة من الصحة والتعليم والمعرفة وغيرها تتضاءل عندما يصبح الفساد منظومة قائمة ولها حضور قوي.
وذكّر الأستاذ سامي براهم في هذا الإطار بالدورات التدريبية التي ينظمها المركز منذ سنوات حول المواطنة، منها ما يعقد في إطار مشروع "شباب قائد من أجل غد أفضل"، والذي استفاد منه 400 شاب وشابة في 10 ولايات.
:المخرجات
- تثمين القيم الدينية ومزجها مع القوانين لتطويعها في خدمة ثقافة مكافحة الفساد.
- تفعيل دور الأئمة الخطباء والمنابر لترسيخ قيم المواطنة وثقافة مكافحة الفساد.
- التعريف بقوانين مكافحة الفساد والحث على استغلالها.
- التأسيس لثقافة المواطنة ومحاربة الفساد عبر منظومة تربوية تساهم في إبراز هذه القيم.
- تغيير المصطلحات من ثقافة مكافحة الفساد إلى مبدأ مكافحة الفساد.
- إقامة منظومة رقابية قوية.
- تدريب المواطنين على فرض القانون.
- تشريك وسائل الاعلام بومضات وبرامج في الغرض.
- قيام منظمات المجتمع المدني بدورها الرقابي والتحسيسي.
* تقرير