
أكد الدكتور في علم الاجتماع جابر القفصي، خلال محاضرة قدّمها يوم الثلاثاء 1 ديسمبر 2020 بعنوان: "الشباب و الاعتصامات: بين المشروعية و الفوضى" ، أن الطبقة السياسية ما بعد الثورة لم تحسن قراءة الحقل الشبابي والمطلبية بالجهات، فكان نتيجة ذلك نشوء نوع من الرد العنيف ضد السلطة، و أصبح الشباب يناضل بكل الطرق من أجل افتاك حق رمزي وهو "الاعتراف به" كفئة مهمة.
و بيّن جابر القفصي، في هذه المحاضرة التي عقدها مركز دراسة الإسلام والديمقراطية "عن بعد" عبر تطبيقة "زوم ويبينار "، أن مطالب الشباب بالجهات مشروعة خاصة بعد سنوات من التهميش إلا أنه وجب على الجميع اليوم الكف عن شيطنة الدولة و الانخراط في بنائها في ظل هذا الظرف الصعب الذي تمر به.
" ثورة استثنائية غاب عنها الحكم الثوري"
بعد 10 سنوات على الثورة، اعتبر الدكتور جابر القفصي أن مشكلة تونس تتمثل في" أننا قمنا بثورة شعبية استثنائية و لكننا لم نحكم أبدا بطريقة ثورية، بل مازلنا نحكم بطريقة كلاسيكية بيروقراطية فيها الكثير من التعطيل، و لذلك كانت النتائج سلبية و فيها الكثير من التذمّر و الصعوبات".
و أوضح القفصي أن الثورة التونسية قامت على 3 أبعاد رئيسية لم يحسن السياسيون والنخبة قراءتها والاستجابة لها.
يتمثل البعد الأول في العامل الجيلي أي الشباب الذي كان هو المحرك و رصيد الشعارات المرفوعة في التحركات، البعد الثاني هو عامل الجهات الذي فشلت الدولة أيضا في التعاطي معه و واصلت في ممارسة ديكتاتورية المركز إلى حد الآن، والبعد الثالث هو العامل التواصلي المتمثل في شبكات التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية العربية و العالمية التي خرقت الحصار على المؤسسات الإعلامية الرسمية في تونس زمن الثورة.
"الشباب حقل ملغّم"
أكّد المحاضر أن هناك حقول استراتيجية همشت منذ الاستقلال على غرار الشباب، الأسرة، الدين، وهو ما يفسر ما نراه اليوم من انحراف، عنف، ارهاب و غيرهم.
وبعد الثورة، أكد أيضا أن الدولة لم تشتغل جيدا على مفهوم الشباب بل واصلت في نظرة الاستنقاص من شأنه، فتحول إلى رمز للعنف و التطرف و الهجرة غير الشرعية و لكل ماهو سلبي بصفة عامة.
هذا التهميش، وفق القفصي، جعل من الشباب اليوم "حقلا ملغّما"، يغوص في المشاكل من جهة، ومزعج للسلطة من جهة أخرى ، فهو يشعر أنه خارج اللعبة السياسية و الاجتماعية عكس ما حصل في ثورات غربية مشابهة التي حولت هذه الفئة إلى اختصاص معرفي محل دراسات عميقة و حقلا متجددا لا يمكن معالجة مشاكله بحلول زمان غير زمانه.
و أوضح القفصي أن قضية الشباب ليست في تونس فقط و إنما تتشابه في بقية الدول العربية ، لذلك نرى أن الشباب العربي أصبح يناضل اليوم بكل الطرق من أجل افتاك حق رمزي وهو "الاعتراف به" كفئة مهمّة في المجتمع و التغيير الاجتماعي و في نحت مستقبل البلاد.
تونس و مرحلة الأيديولوجيا الشبابية
أوضح القفصي، في هذا الخصوص، أن تونس اليوم تعيش في مرحلة الأيديولوجيا الشبابية( بعد الأيديولوجيا العمالية، والأيديولوجيا النسوية) ، ذلك أن الحركات الاجتماعية انبعثت من شباب ثوري فوق حزبي( غير مسيس) متمسك برفض الواقع و تغييره.
وأضاف بأن الحركات الاجتماعية الأخيرة( اعتصام الكامور، اعتصام قابس، اعتصام الصخيرة..) غير منظمة وفق خلفية أيديولوجية معيّنة بل تمثل نوعا من الزحف المناسباتي الذي يتمحور حول نفس العنوان و يجمع أطياف مختلفة.
:النقاش
دامت هذه المحاضرة قرابة الساعة والنصف، ألقى الدكتور جابر القفصي محاضرته خلال النصف الساعة الأولى منها، في حين خصّص بقية الوقت إلى طرح أسئلة المتدخلين.
وتمحورت الأسئلة حول مدى ارتباط تدهور الوضع الاقتصادي في تونس بالاعتصامات المنتشرة في أغلب الجهات، و كذلك مدى استجابة السلط المركزية و الجهوية للحوار والحلول الاستباقية.
وأشار بعض المتدخلين إلى أن الشباب تحول من الفاعل إلى الضحية بعد الثورة نظرا لغياب الحنكة السياسية لديه و التي كانت بدورها نتيجة طبيعية للتهميش الذي عاشه في عهدي "بورقيبة" و" بن علي".
و لئن كانت هذه الاحتجاجات موسمية مثلما أشار إلى ذلك بعض المتدخلين فإن تلكؤ الحكومات المتعاقبة في الاستجابة للمطالب الشبابية كان سببا في هذا الاحتقان الذي زاد من تأجيجه المزايدات الحزبية، حسب آخرين.
و برر البعض الآخر عدم استجابة الحكومات لهذه المطالب بتدهور الوضع الاقتصادي و تراجع الإنتاجية لأسباب داخلية كالإضرابات والاعتصامات ، ولأسباب خارجية تعود إلى غياب الاستثمار والركود الاقتصادي العالمي خاصة خلال السنة الأخيرة في ظل جائحة كورونا.
:المخرجات
انتهت هذه المحاضرة بالمخرجات التالية:
- الثورة التونسية قامت على العامل الجيلي أي الشباب.
- الدولة لا تعتبر الشباب حقلا استراتيجيا قادرا على تطوير وضع البلاد.
- الطبقة السياسية لم تحسن قراءة الشباب ومطالبه.
- مطالب الشباب مشروعة و لكن يجب أن لا تعطّل الصالح العام.
- الحركات الشبابية نتيجة طبيعية للتهميش الذي واجهه الشباب منذ الاستقلال إلى الآن.
- الشباب أصبح حقلا ملغما يسعى بكل الطرق إلى افتكاك حقه في الاعتراف به كفئة مهمة.
- إرساء هدنة اجتماعية و الانتقال إلى العمل و الإنتاج.
- ضرورة بناء عقد اجتماعي جديد يراجع العلاقة بين الدولة و الشباب.
- ضرورة زرع ثقافة جديدة ننتقل فيها من شيطنة الدولة إلى المساهمة في بناء الدولة.