مداد – أمينة قويدر
تحت عنوان " حقوق الإنسان بين الإسلام و الديمقراطية"، عقد مركز دراسة الإسلام والديمقراطية، يوم الجمعة 11 ديسمبر 2020، محاضرة عبر تطبيقة "زووم" قدّمها رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان عبد الباسط بن حسن، و قام بتسييرها نائب رئيس المركز صلاح الدين الجورشي.
و أكد الأستاذ عبد الباسط بن حسن، في معرض تحليله لموضوع المحاضرة، أننا نحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى إصلاحات كبرى في ثقافتنا و منظومتنا المعرفية حتى تصبح رافدا لإمكانية الإثراء المشترك بين حقوق الإنسان و الدين، و نحتاج إلى رفع اللبس في العلاقة بينهما، كما يتطلب الأمر أيضا إصلاحا دينيا عميقا يذهب بالدين نحو مقاصده الكبرى و يتحول إلى أداة للتحرر وينصهر في هذا الجهد الإنساني الجماعي حتى يصبح عالمنا فضاء العيش المشترك.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. مدخل فهم العلاقة بين المسألتين
انطلق الأستاذ عبد الباسط بن حسن، في مستهل محاضرته، في تبيان نقطة التقاء وجدل كبرى جمعت بين قضيتي الدين و حقوق الإنسان، ومثلت مرجعا مهما للعلاقة بينهما و لفهمها لاحقا، وهي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وأوضح الأستاذ أنه إذا أخرجنا حقوق الإنسان من عملية التشكيك و الوصم التي شابتها، و من عملية طرحها خارج سياقاتها التاريخية والمعرفية، فإننا سنتبيّن حقيقة هذه المنظومة وعلاقتها بالمعرفة والمجتمعات وتطوراتها، وأيضا علاقاتها بكل صيغ ثقافتنا المجتمعية.
و ذكرى الاحتفال بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان( 10 ديسمبر)، وفق بن حسن، تحيلنا إلى أن قضايا الدين كانت حاضرة في الحوارات الكبرى التي أدت إلى صياغته، على عكس من يريد تلخيص حقوق الإنسان في نظرة مطلقة، واعتبارها نتاج حضارة غربية أسقطتها على بقية الشعوب.
و أضاف أن الحوارات الكبرى التي شهدها مسار إعداد هذا الإعلان، والتي امتدت على أكثر من سنتين، شاركت فيها مختلف شعوب العالم بما في ذلك الدول العربية، بما تمثله من ثقافة وتصورات فكرية ومدارس قانونية وفلسفية وسياسية واجتماعية، وكان أيضا نتاج حوار كبير بين المدارس الدينية.
و دعا المحاضر، في هذا السياق، إلى ضرورة تجاوز الثنائيات المبسطة التي سجنت التفكير في العلاقة بينهما إما في منطق الكليات: إمّا حقوق الإنسان الشر المطلق أوالدين المنغلق الذي لا علاقة له بمجالات الحوارات الكبرى التي أنجزت حقوق الإنسان، أو منطق التعارض بينهما.
أما في تونس، فقد أصبح السؤال حول الحقوق، وفق المحاضر، أصبح أكثر إلحاحا بعد الثورة وما تلاها من ثورات في الدول العربية، التي بشرت بدخولنا في عصر جديد و هو عصر كرامة الشعوب والأفراد على مستوى تونس والبلدان العربية.
"الدين وحقوق الإنسان في المرحلة الانتقالية"
أشار في هذا الخصوص، إلى كتاب أصدره المعهد العربي لحقوق الإنسان يلخص مجموعة من الأسئلة حول هذه العلاقة، يتمثل في دراسات انطلق البحث فيها قبل الثورة ثم استمر بعدها بعنوان:" الدين وحقوق الإنسان في المرحلة الانتقالية"، أعده مجموعة من الباحثين من مختلف التوجّهات المعرفية ومختلف المدارس الفكرية حاولوا تفكيك عناصر هذه العلاقة و حاولوا أن يجيبوا في فرضيين:
الفرضية الأولى هي أن بناء أنظمة سياسية و ديمقراطية في تونس وفي المنطقة العربية لا يمكن أن يتحقق بالعمق المطلوب إلا إذا ارتبط ذلك بتنشيط العامل الثقافي و تفعيله حتى يشكل مدخلا استراتيجيا إلى جانب المدخل السياسي والاقتصادي قصد إحداث النهوض و التغيير الاجتماعي في أبعاده العميقة أي جعل التنوير الفكري في خدمة الإصلاح بمفهومه الشامل.
والفرضية الثانية هي أن الإصلاح الديني شرطا أساسيا لإنجاح الإصلاح السياسي والاجتماعي في ظل الثورات القائمة و ضرورة من ضروريات حماية الانتقال الديمقراطي من الانتكاس، و ذلك بعد أن انفصلت المسارات عن بعضها طيلة المرحلة التي شهدت تأسيس الدولة الوطنية.
وانتهى بن حسن إلى أن الفرضيتين مازالتا تعتملان في أذهاننا و في نقاشاتنا، وأن طرح العلاقة دون العودة إلى مفهوم الإصلاح والتنوير و فكرة إعمال الفكر النقدي هي التي حرمتنا من تأصيل وتوطيد العلاقة بين هاذين المسارين: مسار قيام منظومة حقوق الإنسان، و مسار مشاركة الدين في تثبيت هذا التطور الكبير الذي وقع في هذهالمنظومة.
سوء التفاهم التاريخي بين الدين وحقوق الإنسان
أوضح الأستاذ عبد الباسط بن حسن أن هناك جملة من الأشياء ألقت نوعا من الغمامة على تبين العلاقة بين المسألتين، منها سوء التفاهم التاريخي النابع من اعتبارنا لحقوق الإنسان كنوع من المطلق الذي أنزل في فترة معينة و كمجموعة من القواعد القانونية و المنظومات و الآليات، واعتبرنا أيضا أن الدين أو الإسلام، مجال منغلق عن كل أنواع التفكير والاجتهاد.
و أوضح أن حقوق الإنسان لم تكن أبدا مطلقا من المطلقات بل تطورت و مازالت مسارا قابلا للتطور، وهذا المسار في مختلف تطوراته لم يكن مجرد قوانين و تشريعات بل هو قبل كل شئ مسار لإعادة التفكير في ما يؤسس لإنسانيتنا، و قد وقعت نقلات إصلاحية كبرى تجسدت في ثلاثة أبعاد: العقد الاجتماعي، عقد المدنية، والمنفعة العامة أي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
و بين أن هذه التحولات الكبرى جزء منها كان في معارضة نوع من المقاربة الدينية، والصراعات مع الكنيسة و لكنه كان كذلك مستفيدا من الفكر الإصلاحي الديني الذي له مدارس عديدة، مشيرا إلى أن حضور الدين في نشأة حقوق الإنسان لم يكن فقط مثلما أراد أن يصوره البعض من أجل المعارضة بل كان في تلك الجدلية التي كانت قائمة في الدين في حدّ ذاته، وفي مقاربته بين الدين كمجال منغلق يساهم في الاستبداد إلى الدين كمجال إصلاحي لإعمال الفكر بوصفه أداة للتحرر.
و قال إن هذه اللحظات التاريخية الكبرى في تطور منظومة حقوق الإنسان سنجدها بقوة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يؤكد في ديباجته على أن هدف حقوق الإنسان هو تخليص الإنسان من الخوف و الفاقة و جعل لذلك عناوين و أدوات وهي تقنين هذه الحقوق لكل إنسان بقطع النظر عن لونه وجنسه و دينه و منشأه و غيره.
و أضاف: و "هذه العلاقة الملتبسة التي يريد البعض أن يبرر أنها منعدمة أو أنها في تعارض كامل، وأن حقوق الإنسان في غربة تامة عن مصادرها الفكرية و الفلسفية و الدينية، نؤكد مرة أخرى أن العلاقة أكثر تعقيدا و أيضا أكثر امكانية و انفتاحا مما يريد البعض أن يصوره".
جدلية الخصوصية والكونية
الأستاذ بن حسن بيّن أن هناك مسألة أخرى تثير الالتباس وهي قضية الخصوصية والكونية، حيث اعتبرت أحد مداخل التشكيك في حقوق الإنسان و في هذه العلاقة، بينها أن هذه الحقوق في جانب كبير منها أدخلت فكرة الهوية الايجابية أي أن الكونية هي تجميع لخصوصيّات من بينها الرافد الديني، والتي تؤدي إلى الإنسان الكوني.
وأكد عبد الباسط بن حسن أننا نحتاج في هذه المرحلة إلى أن نتمعن في هذه العلاقة وأن نحوّلهاإلى علاقة إصلاح، كما أننا في مرحلة تحتاج إلى عمل كبير معرفي و بيداغوجي فيه كثير من إعمال الفكر وتطويرالخطاب في إطار حركية مجتمعية حتى يصبح الفضاء الاجتماعي فضاء الحوار المتواصل والاختلاف والإيمان بالتنوع و بناء المشترك، و ضرورة إدماج مسألة العقد الاجتماعي.
و أكد رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان أننا نحتاج اليوم إلى إصلاحات كبرى في ثقافتنا، و منظومتنا المعرفية حتى تصبح رافدا لإمكانية هذا الثراء المشترك، نحن في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى رفع هذا اللبس في العلاقة بينهما، كما يتطلب الأمر أيضا إصلاحا دينيا يذهب بالدين نحو مقاصده الكبرى حتى يتحول إلى أداة للتحرر و ينصهر في هذا الجهد الجماعي الانساني حتى يصبح عالمنا فضاء العيش المشترك.
النقاش:
دامت هذه المحاضرة قرابة الساعة والنصف، ألقى الأستاذ محاضرته خلال النصف الساعة الأولى، في حين خصّص بقية الوقت إلى طرح أسئلة المتدخلين.
وقد شارك في النقاش عديد المتدخلين، حيث قاموا بطرح أسئلة مختلفة تعلق البعض منها كيفية رفع اللبس أو التعارض الظاهر بين منظومة حقوق الإنسان و الإسلام، حيث قال أحد المتدخلين إن المنطلقات الفلسفية لمنظومة حقوق الإنسان تختلف عن منطلقات الدين، ذلك أن حقوق الإنسان في الإسلام لا تعتبر جميع الناس بذلك المعنى المطلق في المساواة.
و أشار متدخل آخر إلى أن القصد من تطور حقوق الإنسان يعني بالضرورة حرية الضمير، مؤكدا أن هذا الإشكال مازال مطروحا في الدول العربية و منها تونس.
و اعتبر متابع آخر أن الدين الإسلامي ليس وسيلة لتزكية منظومة حقوق الإنسان الآتية من الغرب كما يريد أن يصوره البعض بل أنه ذكر حقوق الإنسان و ضوابطها، وواجباته أيضا في عدة آيات من القرآن الكريم.
التوصيات:
انتهت هذه المحاضرة بالمخرجات التالية :
- منظومة حقوق الإنسان و الدين في تناغم و ليس تعارض.
- العلاقة بين حقوق الإنسان و الدين لا يجب حصرما في منطق الكليات أو التعارض.
- منظومة حقوق الإنسان ليست ثقافة غربية مسقطة بل شاركت في صياغتها الدول العربية والإسلامية بما تحمله من خلفية دينية و ثقافية.
- الإعلان العالمي لحقوق كان نتاج حوارات كبرى كان الدين من أبرز منطلقاتها.
- لابد من إصلاحات ثقافية و معرفية كبرى تؤسس لأرضية مشتركة بين الدين و حقوق الإنسان.
- لابد من إصلاح ديني عميق يذهب بالدين نحو مقاصده الكبرى.
- لابد من إعمال العقل و تكثيف البحث لرفع اللبس بين الإسلام وحقوق الإنسان.
- الديمقراطية لا تكون قوية إلا بتعزيز حضور الدين و حقوق الإنسان في حياة الشعوب.